غنى القراءة
القراءة ذاكرة الانسان
القراءة هي ذاكرة الانسان ,والانسان هو ذاكرة القراءة , ولذلك فإن هذا الانسان لن يجد طريقا الى كماله إلا بعد أن تعلم كيف يقرأ.فانسان لا يقرأ هو انسان به نقص مهما كان موقعه الإجتماعي.
القراءة هي إحدى أهم مصادر المعرفة ومهما بلغ الانسان من تطور وتقنية لتلقي المعرفة , فإنه لا يستغني عن القراءة , فثمة معرفة لا تتحقق إلا عبر الكلمة مهما تقدم الزمن .
يمكننا أن نتساءل عن أهمية القراءة , الإنسان الذي يقرأ كثيرا تراه غنيا في حديثه ومهما طال به الحديث لا يضجره السامع , غير أن الذي لا يقرأ ليس لديه شيء يقوله , إن حديثه مهما كان جادا لا يكون إلا عبارة عن كلمات مباشرة يلقيها على السامع ويبقى يكررها أينما حل .
الذي لا يقرأ يكون من العسير ان يكتشف شيئا جديدا , وحتى لو اكتشف فإنه لا يكون مدركا ابعاد هذا الاكتشاف الجديد وقيمته المعرفية , إنه فقير بكل اشكال الفقر اضافة الى أنه يمكن ان يجرح الآخرين بالفاظه الحادة والمباشرة ببساطة شديدة , بينما حديث شخص مواظب على الوان القراءة يقدم لك المعلومة , ويقدم لك حلاوة وعذوبة اللغة , يقدم لك اشراقة البسمة التي تحمل الكلام الى سمعك , ويفوح برقة الانسان وهو يحدث انسانا, القراءة هي الغنى الذي لا غنى عنه .
كان عرب ما قبل الجاهلية يقولون : "إن الأدب كاد أن يكون ثلثي الدين".
يبني النسان ذاته عن طريق القراءة , القراءة تقدم اليه الكثير ولكن عليها أن تكون قراءة منتقاة ومتنوعة .
عندما اقابل شخصا عزيزا فان أول ما اساله : ماذا تقرأ هذا الايام ؟؟؟
وعندما يتحدث عن كتاب جديد او حتى إعادة قراءة كتاب ـــ كمثل تلك الكتب التي قرأناها في فترات سابقة وتحتاج الى إعادة قراءة بكثير من التركيز حتى تكون متساوية مع المرحلة العمرية التي ندخلها ـــ اشعر ان هذا الانسان بخير مهما كانت ظروفه الأخرى متواضعة .
أما عندما يقول إن أحواله كلها جيدة ولكنه منقطع عن القراءة , فأشعرأنه ليس بخير وهو بكل المواصفات كائن ليس سعيدا قدر ذاك المتواضع الذي يقرأ كل يوم , ولا اتردد أن اقول له : إن كنوز العالم كلها لاتساوي أن تضيع علينا يوما لانقرأ فيه ولو صفحتين قبل النوم بنصف ساعة في اسوأ الأحوال .
إنني واثق أن الأثرياء الذين تحيلهم ثرواتهم الى نجوم في العالم , لو علموا منافع ومتع القراءة لتركوا كل شيء من اجل ان يجلسوا على ضفة نهر , أو حتى في خيمة في صحراء ليقطفوا عناقيد الحكمة والمعرفة من جوف الكتب التي تحقق للروح ما تعجز كنوز العالم من تحقيقه .
إن كل كنوز العالم تعجز أن تهب سنة واحدة , ولكنني واثق بان ثمة كتب قراتها قدمت لي خمسين سنة من الحياة في خمسة ايام قراءة .
لا اذكر أنه فاتني يوم لا أقرأ فيه شيئا جديدا , وحتى لو كنت في الطرقات فإن رغبة القراءة الجامحة تلبث تطاردني فاقرأ الإعلانات , او اي شيء تقع عليه عيناي واتقدم لأقرب مكتبة لأقرأ عناوين المجلات , ثم ابتاع شيئا حتى لو كانت جريدة يومية فقط , مايهم أن اشتري شيئا جديدا يمكن قراءته , لأن مشاهدة الانترنت وقراءة عشرات الصفحات لاتروي ظمئي للقراءة المباشرة من الورق الذي امسكه بيدي واستمتع بتقليب صفحاته .
ذات مرة عندما سئل الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران عن قراءته الجديدة , اجاب بأنه قراء ثلاثية نجيب محفوظ , ثم صار يتحدث كيف أن النقاد يعتبرونها رواية تاريخية وهو قد استمتع بعمل أدبي وفني ممتع .
كان ميتران يعتبرالقراءة من الاولويات اليومية التي لا ينتهي اليوم من دونها , وكنت اقرأ منذ حين أن ابنة بيل كلينتون ليست معجبة بأحد غير ماركيز .
ولعلي أذكر ذات مرة ان الاميرة ديانا قالت إن الامير تشارلز حمل معه في الحقيبة من ضمن ما حمل ستة كتب في شهر عسل زواجهما .
لقد تعددت وسائل المعرفة في عصر التقنيات الهائلة والتفجر المعلوماتي , وبطبيعة الحال فهذا لا يغني عن القراءة من دفتي كتاب لأن المعرفة واي معرفة لا تأتي إلا عبر القراءة الفكرية والقلبية والبصرية .وإن أتت فانها تاتي غير مكتملة وكذلك تكون سريعة النسيان .
والواقع فإننا تعلمنا من الحياة والتجارب بأن ما ياتي بسرعة يذهب بسرعة والعكس صحيح .
وللمثل على هذا فكم من معلومة أتتنا عبر القنوات الفضائية , ما الذي لبث في ذاكرتنا منها , في حين أننا نحفظ شيئا قرأناه وكتبناه على مقاعد الصفوف الإبتدائية الأولى حتى لو بلغنا الثمانين من العمر , لان المعلومة أتت بجهد مضني مما أدى الى ترسيخها ترسيخا عميقا في الذاكرة .
الكاتب :عبد الباقي يوسف
من صحيفة الاسبوع الأدبي